روائع مختارة | بنك الاستشارات | استشارات دعوية | التلاوة والتزكية.. وواقع الدعوة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > بنك الاستشارات > استشارات دعوية > التلاوة والتزكية.. وواقع الدعوة


  التلاوة والتزكية.. وواقع الدعوة
     عدد مرات المشاهدة: 2755        عدد مرات الإرسال: 0

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

في الآية: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}، هل نعتبر هذه الآية منهجًا للدعوة إلى الله سبحانه متدرجًا من تلاوة الآيات ثم التزكية ثم تعليم الكتاب والحكمة؟

وإن كان كذلك فكيف أجعله واقعًا في الدعوة، سواءً في الأسرة أو أوسع من ذلك؟

مع ذكر بعض الأفكار لتطبيق هذا المنهج؟

جزاكم الله خيرًا على جهودكم.

الجواب:

أخي الكريم:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..

وزادك الله حرصا على تدبر كتاب الله العظيم، والانتفاع به منهاجا لحياتك ولتربية من استرعاك الله، وللدعوة على الله على بصيرة.

وبعد: فسؤالك أخي الكريم حول الآية الكريمة: هل المراد منها اتخاذ هذا المنهج المتدرج (بالترتيب الوارد فيها) في الدعوة إلى الله، بحيث يكون البدء بتلاوة الآيات ثم التزكية ثم تعليم الكتاب والحكمة؟

كما تسأل عن كيفية جعله واقعًا في الدعوة، سواءً في الأسرة أو أوسع من ذلك.. مع ذكر بعض الأفكار لتطبيقه عمليا.

وأقول لك أيها المبارك: لقد سألت عن أمر عظيم! والإجابة عنه أكبر بكثير من أن تحيط بها هذه السطور، ولكن دعنا نبدأ بشذرات من كلام بعض أهل التفسير حول الآية الكريمة، ثم نأنس إلى قبسات مضيئة لدعاة وأئمة؛ لعلها تنير لنا الدرب إلى فهم سديد يفتح لنا بابًا في هذا الأفق الرحيب (التربية القرآنية بين التعليم والتزكية)!

ففي تفسير الطبري رحمه الله:

(وقوله: {يتلو عليهم آياته} يقول جل ثناؤه: يقرأ على هؤلاء الأميين آيات الله التي أنزلها عليه {ويزكيهم} يقول: ويطهرهم من دنس الكفر، وقوله: {ويعلمهم الكتاب} يقول: ويعلمهم كتاب الله، وما فيه من أمر الله ونهيه، وشرائع دينه، {والحكمة} يعني بالحكمة: السنن).

وفي تفسير القرطبي رحمه الله:

({يتلو عليهم آياته} يعني القرآن، {ويزكيهم} أي يجعلهم أزكياء القلوب بالإيمان؛ قاله ابن عباس. وقيل: يطهرهم من دنس الكفر والذنوب؛ قاله ابن جريج ومقاتل. وقال السدي: يأخذ زكاة أموالهم، {ويعلمهم الكتاب} يعني القرآن، {والحكمة} السنة؛ قاله الحسن. وقال ابن عباس: الكتاب الخط بالقلم؛ لأن الخط فشا في العرب بالشرع لما أمروا بتقييده بالخط. وقال مالك بن أنس: الحكمة الفقه في الدين. أي في ذهاب عن الحق).

فلعلك لحظت أخي.. أن التزكية لابد لها من علم يسبقها؛ لتتحقق التزكية على هدى وبصيرة. ثم تكون هذه التزكية الكريمة نفسها سببا في الرغبة في العلم وتحصيله والانتفاع به. وكما قال ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء..}: (إنما العلم الخشية)!

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (في تأكيد التلازم بين التذكر بالعلم وبين حصول التزكية):

(التذكر سبب التزكي، فإنه إذا تذكر خاف ورجا، فتزكى‏. ‏‏فذكر الحكم وذكر سببه‏؛ ذكر العمل وذكر العلم، وكل منهما مستلزم للآخر‏؛ فإنه لا يتزكى حتى يتذكر ما يسمعه من الرسول، كما قال‏:‏ ‏{‏‏سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى}‏‏ ‏‏فلابد لكل مؤمن من خشية وتذكر‏. ‏‏وهو إذا تذكر فإنه ينتفع، وقد تتم المنفعة، فيتزكى‏).

وقال الشيخ السعدي في تفسيره تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن بما يفيد هذا التكامل والتلازم بين العلم والتزكية: (‏{‏يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ‏}‏ القاطعة الموجبة للإيمان واليقين، ‏{‏وَيُزَكِّيهِم‏}‏ بأن يحثهم على الأخلاق الفاضلة، ويفصلها لهم، ويزجرهم عن الأخلاق الرذيلة، ‏{‏وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ‏}‏ أي‏:‏ علم القرآن وعلم السنة، المشتمل ذلك علوم الأولين والآخرين، فكانوا بعد هذا التعليم والتزكية منه أعلم الخلق، بل كانوا أئمة أهل العلم والدين، وأكمل الخلق أخلاقًا، وأحسنهم هديًا وسمتًا، اهتدوا بأنفسهم، وهدوا غيرهم، فصاروا أئمة المهتدين، وهداة المؤمنين، فلله عليهم ببعثة هذا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكمل نعمة، وأجل منحة).

وقال صاحب الظلال رحمه الله تعالى:

(والمنة ظاهرة في اختيار الله للأميين ليجعلهم أهل الكتاب المبين؛ وليرسل فيهم رسولا منهم، يرتفعون باختياره منهم إلى مقام كريم؛ ويخرجهم من أميتهم أو من أمميتهم بتلاوة آيات الله عليهم، وتغيير ما بهم، وتمييزهم على العالمين، {ويزكيهم} وإنها لتزكية وإنه لتطهير ذلك الذي كان يأخذهم به الرسول صلى الله عليه وسلم، تطهير للضمير والشعور، وتطهير للعمل والسلوك، وتطهير للحياة الزوجية، وتطهير للحياة الاجتماعية، تطهير ترتفع به النفوس من عقائد الشرك إلى عقيدة التوحيد؛ ومن التصورات الباطلة إلى الاعتقاد الصحيح، ومن الأساطير الغامضة إلى اليقين الواضح. وترتفع به من رجس الفوضى الأخلاقية إلى نظافة الخلق الإيماني، ومن دنس الربا والسحت إلى طهارة الكسب الحلال. إنها تزكية شاملة للفرد والجماعة ولحياة السريرة وحياة الواقع، تزكية ترتفع بالإنسان وتصوراته عن الحياة كلها وعن نفسه ونشأته إلى آفاق النور التي يتصل فيها بربه، ويتعامل مع الملأ الأعلى؛ ويحسب في شعوره وعمله حساب ذلك الملأ العلوي الكريم، {ويعلمهم الكتاب والحكمة} يعلمهم الكتاب فيصبحون أهل كتاب، ويعلمهم الحكمة فيدركون حقائق الأمور، ويحسنون التقدير، وتلهم أرواحهم صواب الحكم وصواب العمل، وهو خير كثير). انتهى كلامه رحمه الله.

وإليك أخي- في الختام- كلمات نفيسة للشيخ د. سفر الحوالي في كتابه: (أهمية أعمال القلوب) لعلها تجمع خلاصة ما سبق:

(فإبراهيم عليه السلام دعا الله لما بنى هذا البيت العظيم (العتيق) أن يبعث في هذه الأمة هذا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبهذه الأهداف والأغراض، وقد استجاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دعوة إبراهيم عليه السلام كما في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}. فنلاحظ هنا أن هذه الأمور الثلاثة المدعو بها اختلف ترتيبها، فتقدمت التزكية على التعليم، ولاشك أن الإنسان لا يمكن أن يتزكى إلا بأن يتعلم الكتاب والسنة، فيتعلم الهدى الذي جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لكن عندما تتقدم التزكية فهي من باب تقديم الغرض والغاية على الوسيلة التي تؤدي إلى هذه الغاية.

فالأصل هو: تزكية هذه القلوب التي هي موضع نظر الله من العبد، كما في الحديث: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» رواه مسلم.

وهذه القلوب هي محل الابتلاء والتمحيص ومحل الأعمال التي لو استعرضناها؛ لعجبتم ولعلمتم أن لهذه القلوب شأنًا عظيمًا عند الله تبارك وتعالى، كيف لا والقلب هو الذي إذا كان حيًّا فإن الجسد يحيا معه، وإذا مات مات الجسد). انتهى كلامه حفظه الله ونفع به.

ثم أعود بك أخي إلى ما بدأت به فأقول: إنما هذه شذرات وقبسات؛ لعلها تنير لنا الدرب إلى فهم سديد يفتح لنا بابًا في هذا الأفق الرحيب (التربية القرآنية بين التعليم والتزكية)!

مؤمّلا أن يكون هذا التأكيد سببا في رفع همتك للنهل من كنوز أهل العلم والدعوة في هذا الميدان الكريم. وفقك الله وسدد خطاك ونفع بك.

الكاتب: خالد عبداللطيف.

المصدر: موقع المسلم.